السبت، 26 مايو 2012

فلسفة هابرماس: جوابا على سؤال ما هو التنوير؟                               






ترجمة نور الدين علوش

لم يستعمل مفهوم الفضاء العمومي ’ إلا مع هابر ماس في أطروحته التي نشرت سنة 1960 تحت عنوان “الفضاء العمومي اركيولوجيا الدعاية باعتبارها مكون بنيوي للمجتمع البرجوازي ” حيث تطرق إلى انبثاق مفهوم مبدأ الدعاية من الناحية التاريخية والنظرية....

حسب هابرماس فالمنظر الحقيقي للفضاء العمومي هو الفيلسوف الألماني كانط في مقاله التأسيسي ما هو التنوير؟ فعملنا الأساسي يكمن في الوقوف على فرادة وراديكالية هذا النص التأسيسي أو بعبارة اخرى كيف نجح كانط في تأسيس مفهوم الفضاء العمومي.الحديث.

الفضاء العمومي والفلسفة السياسية

في سياق النقاش الدائر بين مندسون وليسينع ,عرف كانط التنوير: بأنه خروج الإنسان من الوصاية. بمعنى أخر استعمال الإنسان لعقله بدون تدخل أي عامل خارجي. فهذه الوصاية التي يخضع لها الإنسان ليست طبيعية: فالإنسان حباه الله بعقل يسمح له باكتشاف الحقائق. فالعقل إذا لم يتعلم يبقى في مرحلة الطفولة. فالتنوير يعني الارتقاء بعقول الناس إلى النضج عن طريق التعليم للوصول إلى الاستقلالية في إصدار الأحكام.

مع ذلك فالتحرر من الوصاية لن يكون شانا فرديا بقدر ما هو شان جماعي. لهذا فتقدم التنوير الجماعي رهبن بشرط أساسي: استعمال عمومي للعقل, تبادل حر للأفكار والآراء, بطريقة شفوية أو كتابية . فالوصاية يمكن اعتبارها استبدادا روحيا لأنها لا تنفي حرية تداول الأفكار بل حتى حرية التفكير مادام أن كما لاحظنا أن العقل لاينبعث إلا بالتواصل مع الاخرين.

انطلاقا من ذوات مستقة في تفكيرها يتحرك أفق التحرر نحو المواطنين بأكملهم:فهذه الصيرورة لابد منها للوصول إلى الحرية.
الدعاية جوهر الفضاء العمومي

مفهوم الدعاية يتدخل هنا: أن تفكر باستقلالية يعني أن تفكر بصوت عال.فتبادل الآراء والأفكار ينتج عنه فضاء تتقاطع فيه الآراء حيث الذوات العاقلة في تواصل دائم.

من جهة اخرى فالاستعمال العمومي للعقل يجعل مهمة المواطن مزدوجة فهو من جهة فاعل ومن جهة أخرى متفرج.فالعالم أصبح الذات العاقلة التي تستعمل عقلها بالإضافة إلى انه يشير إلى أي فرد عاقل . فالتقدير الكوني للآراء الذي أعطاه كانط جعله في منأى عن التصور النخبوي الذي يعلي من شان العلم مقبل الرأي
فالكاتب يعطي نموذج القاضي الذي يتوجه إلى المستمع باعتباره فاعلا. لكن في نفس الوقت فهو متفرج حيث يقف أمام الناس ويقيم نفسه ممن خلال أقواله.فكل فرد باعتباره مواطنا يتموقع بين فاعل في الفضاء العمومي وفي نفس الوقت فهو قادر على التعليق وإبداء الرأي. فالاستعمال الخاص للعقل يتجلى في المهام المدنية وبعيد كل البعد عن التأملات العمومية كما نستشهد بنموذج الضابط الذي” يتكلم حول مدى ملائمة أو نفعية أمر ما”فالفرق واضح بين دائرة الآراء ودائرة الأفعال. لابد من التذكير بان التنوير يتأسس على التفكير الذاتي أي بكل استقلالية مع غائية اكتشاف الحقائق بالإضافة إلى مايستلزم الاستعمال العمومي للعقل من تعددالاراء وتبادلها في الفضاء العمومي.

من خلال ما قلنا سابقا يمكن القول بان التصور الكانطي للعقلانية والحقيقة مؤسس على المنظور البيذاتي وليس كما روج هابر ماس وابل أي اعتماده على المنظور الذاتي.

التواصل السياسي
فممارسة التفكير يجب أن تكون منفتحة ومتجهة نحو تواصل عمومي. فالبناء الذاتي للرأي يكون متبوعا بالنقاش والجدل للتمييز بين الأفكار العقلانية والقابلة للممارسة والأخرى الغير العقلانية. فالإطار الذي يتحرك فيه الفضاء العمومي الكانطي هو إطار بيذاتي وليس ذاتيا محضا. في هذا الصدد فما تمثله الدعاية بالنسبة للسياسة هي ما يمثله الفكر الممتد بالنسبة للاستيطيقا : الشرق.فالحكم السياسي لن يحتاج إلى أن يتوحد مع نفسه مادام أن الفرد من وجهة نظر سياسية وبخلاف الاستطيقا هو جزء من الناس. من هنا نرى العلاقة بين دائرة الآراء ودائرة الأفعال: فالأولى سابقة على الثانية فالنتيجة هذا الأمر مرتبطة بعلاقة السياسة بما هو عمومي الشيء الذي يؤدي إلى ظهور دور أساسي مادام الأمر يسمح للناس باستعمار ل عقولهم وقدرتهم على صياغة حسنة في لقوانينهم التشريعية حتى ولو قدموا نقدا حادا لتلك التشريعات.

النقد البناء

الجمهور ليس فقط لديه القدرة على التشريع ، ولكن بالإضافة إلى ذلك ، يمكن أن يساءل السلطة. ومن المهم أن نلاحظ أن الفضاء العام الكانطي لا يلغي الصراعات لأنه يعترف بتنوع وجهات النظر وتعدد الآراء حيث يمكن لها أن تتطور هذه الاراء في جو النقاش والجدل. فالأمر لا يتعلق برؤية مثالية تنفي واقع الصراعات الفكرية الخاصة بكل مجتمع المبنية على اختلاف الأفراد كما يبين ذلك راولز. فالفضاء العمومي هو المكان المفضل للنقاش والجدال ليس أراء الأفراد فقط بل حتى السلطة السياسية. فهو يقتضي وظيفة أخرى: هيئة نقدية للسلطة. فهذه الهيئة وسيطة بين الأفراد الذين يشكلون المجتمع المدني والدولة.

فالفضاء العمومي يستلزم أن تكون السلطة في خدمة الشعب ولأجل الشعب يعني من جهة السلطة تنبثق من الشعب ومن جهة أخرى السلطة تفكر في حاجياته وتبررها.

كانط وهوبس

اشرنا إلى الجديد الذي أتى به كانط وشكل تجديدا في نظريات العقد الاجتماعي. على عكس ما نظر له هوبس في حالة الطبيعة حيث لاوجود للشعب فقط الدولة ولا شيء غير الدولة. فهو بس لم يعط لأي كان سلطة المراقبة أو التعليق على عمل الدولة. وحتى في حالة عدو وجود الأمن فلا يمكن للشعب التحرر من العقد لأنه أوتوماتيكي .فكانط ادخل الفضاء العمومي ليس فقط لأنه مضمون من طرف الدعاية بل لأنه أساسي ولان كانط يؤسس لعقلانية عمل الدولة ويخضعه لمراقبة الفضاء العمومي. ودعاة حرية التعبير في هذا التشبيه يكمل المسرحية التي حددها هوبز : الممثل تواجه الآن موقف المتفرج ، والتي تتجسد في الشكل من الجمهور

كانط وروسو

فدور كانط في نظرية العقد الاجتماعي مهم وأساسي . فروسو أسس الدولة على الارادةالعامة لكن لإمكان لفضاء العمومي فيها. فهي تلقائية وطبيعية: في ديمقراطية روسو فالتوافق الارادات تسبق الحجج والبراهين . فروسو يتخوف من النقاش إلى حد إقصائه من الإجراءات التشريعية لأنه يعتبر أن النقاش يدخل معه المصالح الفردية ويسمح بتشكيل إفراد شعبويين من شانهم أن ينحرفوا عن المصالح العامة. وفقا لهذا التصور فالشعب قوة تشريعية وليس نقدية. في حين أن كانط يولي أهمية كبرى للفضاء العمومي في تشكيل الآراء والأفكار . فالسياق مختلف بينهما فروسو نظر للديمقراطية المباشرة حيث السيادة للشعب في حين ان كانط نظر لملكية دستورية تتيح للشعب المشاركة في الحكم.فالجديد الذي أتى به كانط هو ربطه بين وظيفتي التشريع والنقد الشيء الذي يسمح بظهور فضاء عمومي حديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق